يعتزم المرصد التونسي للاقتصاد، بالشراكة مع المنتدى والشبكة الأفريقية المعنية بالديون والتنمية (AFRODAD) ، تنظيم ورشة عمل وطنية حول إدارة الديون السيادية، بعنوان: ما بعد الاقتراض: إعادة النظر في إدارة الديون السيادية، وذلك يوم الثلثاء 9 جويلية بالعاصمة تونس.
يتنزل ها النشاط في سياق تواجه فيه تونس انكماشاً اقتصادياً حاداً يفاقمه تصاعد الدين العمومي الذي يتوقع ان يبلغ 80% من الناتج المحلي الإجمالي1، إلى جانب مواجهة عدة صعوبات في تأمين مصادر التمويل الخارجي. تسبب هذه العقبات المالية عدة قيود على الإنفاق الحكومي وصعوبات من أجل الوفاء بالتزامات البلاد المالية، مما يتسبب في الاعتماد المتزايد على السوق الداخلية لتوفير التمويلات مما له انعكاسات سلبية، بما في ذلك القدرة على تمويل الواردات ومتأخرات كبيرة مع الموردين.
يعتبر العام الراهن هو الأكثر صعوبة من حيث كلفة الديون، في بلد يعاني من عجز في المالية العمومية واضطرابات في وفرة النقد الأجنبي. إذ تواجه تونس خلال هذه السنة جدولاً زمنيًا صعبًا لسداد خدمة الدين العام المثقل بعبء القروض التي تم التعاقد عليها في السنوات الأخيرة. فأقساط القروض لسنة 2024 ليست بالهينة و أكبرها في شهري فيفيري وأكتوبر. لمواجهة التحدي في فيفري التجأت الحكومة الى البرلمان للموافقة على قانون استثنائي يسمح بالحصول على تمويل مباشر من البنك المركزي بقيمة سبع مليارات دينارما يعادل 2.25 مليار دولار2. من المقرر أن يحل الموعد للتسوية الثانية في أكتوبر 2024. فالدولة التونسية ملزمة بسداد ائتمانيات كبيرة، بما في ذلك أربعة أقساط من قروض صندوق النقد الدولي يبلغ مجموعها 360 مليون دولار أمريكي في إطار أداة التمويل السريع، وعشر أقساط من الائتمانيات تبلغ قيمتها 256 مليون دولار أمريكي في إطار قرض تسهيل الصندوق الممدد.3
من متوقع هذه السنة أن تتجاوز الاحتياجات التمويلية للميزانية 17% من الناتج المحلي الإجمالي وستستحوذ خدمة الدين على ثلثي هذا المبلغ. في حين لا تزال قدرة السلطات على التعامل مع هذا الوضع غير واضحة خاصة وان 57% من خطة التمويل المدرجة في الميزانية تعتمد على الموارد الخارجية، والتي لم يتم تحديد مصادر سوى ثلثها فقط4. ان عجز الميزانية المتكرر في السنوات الأخيرة يدفع المقرضين إلى توخي الحذر ويعمق من الصعوبات لرصد التمويلات المبرمجة. ففي نهاية سبتمبر 2023، لم تنجح الحكومة في تعبئة سوى 28% من الموارد الخارجية المقررة في الميزانية الأولية.
كل هذه العناصر تسلط الضوء على تعدد النقائص في الاستراتيجية التونسية الحالية في إدارة الديون السيادية إلى جانب ذلك، هناك نقائص في الشفافية والوضوح فيما يتعلق باستراتيجية الإقراض. في الواقع، لم تنشر الإدارة العامة لإدارة الدين العام والتعاون المالي النشرية الشهرية لدين الدولة منذ ديسمبر 20215. إضافة إلى ذلك، لا يتاح للعموم عادةً الاطلاع على التقرير السنوي حول الدين العمومي إلا بعد المصادقة على قانون المالية6. علاوة على ذلك، فإن الإطار القانوني المنظم للديون مجزأ للغاية ولا يوفر آليات ناجعة تسمح بالرقابة وللمساءلة الفعلية7 كما انه يهمّش دور البرلمانيين في المصادقة على التزامات سياسة الدولة تجاه المانحين، ولاسيما إذا كانت هذه السياسات الاقراضية قد تهدّد بتآكل الحقوق، أو تؤدّي لعدم الاستدامة.
كل هذا يبن أن تونس تفتقر إلى إطار عمل شامل يحدد الشروط والمعايير الموضوعية لتوجيه المسؤولين الحكوميين حول ما ينبغي أو لا ينبغي أن يقبلوه خلال مفاوضات القروض، ويمكن للبرلمانيين الرجوع إليه لمراقبة أداء الحكومة وممارسة دورهم في الإشراف والرقابة.
من هنا تبرز الضرورة لتطوير نظام شامل لإدارة الديون السيادية ترتكز على احترام حقوق الإنسان وإعمالها، ويعطي الأولوية للشراكات مع البلدان التي تتقاسم نفس الأهداف، ويعزز التضامن والتعاون على نطاق عالمي، ويتماشى مع الأهداف التنموية مع الحفاظ على السيادة الوطنية.
نهدف من خلال هذا النشاط الى للتفكير في طرق واليات تحسين قدرة الدولة التونسية على اتباع ممارسات أكثر فعالية إدارة الديون السيادية، بما في ذلك تحسين نظم الإبلاغ عن بيانات الديون وتحليلها وتطوير الأدوات الفنية المتعلقة باستراتيجيات تحسين الديون إدارة مخاطر وتكاليف تمويل الديون. كذلك من المبرمج ان يتم في هذا الاجتماع مناقشة التحديات والفرص في إدارة الديون السيادية التونسية، ومحاولة وضع خارطة طريق لتطوير حلول وأدوات وأنشطة بناء القدرات لمختلف المشاركين. نهدف كذلك ان تقدم ورشة العمل فرصة لتعزيز التعلم من التجارب المقارنة وتبادل المعلومات بين المشاركين والاستفادة من قصص النجاح في ابتكار حلول من التجارب العالمية ومعالجة التحديات إدارة الدين السيادي وإدارة المالية العمومية.
-
الأهداف الرئيسية لورشة العمل الوطنية :
-
مناقشة ممارسات إدارة الديون واستراتيجيات وتحديات المتعلقة بالديون السيادية في تونس؛
-
مناقشة العوامل المختلفة التي تؤثر على مخاطروتكاليف الديون وخدمة الديون، وبدء مناقشة الخيارات المختلفة الإستراتيجية تحسين الديون وفقا لسياق تونس.
-
الاتفاق على الخطوات التالية للتعاون الفني بشأن تطوير استراتيجيات تحسين الديون والإصلاحات المالية لتعزيز الحيز المالي لتمويل التنمية .
لعبت الحركات النسوية في تونس دوراً محورياً في التطور السياسي في البلاد منذ الكفاح من أجل الاستقلال، وكانت في قلب التعبئة الشعبية منذ ثورة 2010 /20111. وقد تظاهرت النساء بالآلاف لتذكير المسؤولين المنتخبين بعزمهم على تكريس المساواة والعدالة ومكافحة التمييز في دستور 2014 وقد كشفت هذه التعبئة النسائية عن حيوية الحركة النسوية التونسية.
في حين ركزت هذه الجهود في المقام الأول على الحقوق المدنية والسياسية، من خلال ضمان تمثيل أفضل للنساء في الفضاءات السياسية، ومعالجة أشكال العنف متعدد الأبعاد التي تعاني منه النساء من خلال سن القانون 58-2017 للقضاء على العنف ضد المرأة، ثم في وقت لاحق بشكل شامل إثارة النقاش حول المساواة والحريات الفردية. وعلى الرغم من كل الانتصارات والمكاسب التي حققتها الحركات النسوية بعد الثورة، إلا أن مطالبتها بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية ظلت محدودة نوعًا ما، أو تم إبعادها إلى الخلفية أو تم تناولها باحتشام. كما تم تنزيل العنف الاقتصادي في معظم الأحيان في إطار مكافحة عدم المساواة وعلاقات القوة بين الرجل والمرأة، على سبيل المثال فيما يتعلق بحرية المرأة في إدارة مواردها المالية، أو من خلال الحديث عن حقوق الميراث.
شاركت المنظمات النسوية في الدعوات لإصلاح النموذج الاقتصادي الحالي، بالإضافة إلى مشاركتها المتكررة في حملات من أجل نماذج اقتصادية أكثر عدالة ومناهضة للمديونية مثل حملة "يزي ما رهنتونا "، إلا أن هذه التحركات لم تسفر عن مشاركة كبيرة في النقاشات حول آثار السياسات الاقتصادية والمديونية والتقشف على حقوق النساء. على الرغم من أن الخطاب النسوي حول التقاطع بين الديون والتنمية والنوع الاجتماعي كان في طليعة أجندة المنظمات النسوية في جميع أنحاء الجنوب العالمي وبدأ بشق طريقه منذ بضع سنوات في العالم العربي،2 إلا أن العمل وإنتاج المعرفة وكذلك المحادثات العامة حول هذه المواضيع لا تزال غير مستكشفة وهامشية في تونس.
نحن نواجه في الوقت الحاضر أسوأ أزمة ديون في التاريخ. يمكن تصور هذه الأزمة على أنها ناتجة عن نظام مالي عالمي تم تشكيله لصالح نظام استعماري أبوي وأوروبي المركز. وكما نددت أنجيلا ديفيس، ان النساء، لا سيما من الجنوب العالمي، هن الأكثر تهميشًا من قبل هذا النظام. وقد كان للمؤسسات المالية الدولية ومشروطيات الديون تأثير على حقوق النساء في جنوب الكرة الأرضية سواء من خلال تقييد وصولهن إلى الخدمات العامة مثل التعليم أو الرعاية الصحية أو المشاركة الاقتصادية.
فتدابير التقشف التي تفرضها برامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي تعيق أولويات التنمية، وتتحمل النساء والمجتمعات المهمشة والضعيفة اقتصاديًا بشكل خاص الثمن حيث تنتهك حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية.3
إن مصيدة الفقر التي تواجهها العديد من النساء في تونس هي جزء لا يتجزأ من نظام دولي غالباً ما تكون فيه النساء من الجنوب العالمي الأكثر تهميشاً في نظام اقتصادي، ومالي الأبوي ،والاستعماري والعنصري.4 وقد تعمقت هذه الأزمة بغياب إطار عمل وطني منظم لإدارة الديون السيادية. فمن الذي يقرر اتفاقية القروض المشروطة؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ وما هي الآليات التي يمكن أن تسمح بمساءلة المجتمعات المحلية فيما يتعلق بالالتزامات المالية والإصلاحات التي تم اتخاذها باسمها؟ هذه الأسئلة بالكاد تُطرح في النقاش العام.
في سياق تراكم الديون، وآثار الإصلاحات المفروضة من المؤسسات المالية الدولية على الحقوق، وصعوبة في تعبئة الموارد اللازمة لتمويل الحقوق، أصبح من الضروري وضع إطار عمل تقدمي يكرس المساءلة في عملية صنع القرار بشأن الديون.
نشهد في الآونة الأخيرة ظهور حركات نسوية جديدة تتبنى مقاربات أكثر تقاطعًا مما يخلق تنوعًا يثري المناقشات من خلال تقديم وجهات نظر متنوعة. يفتح التفكير النسوي التقاطعي إمكانيات هائلة لفهم وإعادة تشكيل حوكمة الديون. فهو لا يساعدنا فقط في صياغة السياسات التي تدافع عن حقوق المرأة، بل يمكن أن يساعدنا أيضًا في مقاومة تعميق الأمولة وآثارها الضارة على الحياة اليومية.
يقدم الاقتصاد النسوي، كمدرسة حديثة في الفكر الاقتصادي، منظورًا جديدًا يدعي أن السياسات المالية والاقتصادية يمكن أن تصبح أدوات لتحقيق التوازن و المساواة، والتفكير في اقتصاد تنموي يحمي حقوق النساء ، بل حقوق الإنسان والأرض.5
استنادًا إلى آثار الديون المشروطة على حقوق الإنسان وبناءً على المعرفة المتاحة حول تأثيرها على حقوق النساء، هناك حاجة في تونس إلى استكشاف كيف يمكن للمنظور النسوي أن يُثري التفكير في استراتيجية أكثر عدالة لإدارة الديون في البلاد، والتي تتضمن العدالة الجندرية ومبادئ الاقتصاد القائم على حقوق الإنسان.
من المقرر أن يفتح هذا الاجتماع باب النقاش حول مشاركة المنظمات النسوية في النقاش الوطني حول سياسات المتعلقة بالديون السيادية، والتفكير في الطريقة التي يمكن أن تشكل بها العدسة النسوية إطارًا لإدارة الديون، يتضمن التزامات حقوق الإنسان، وينتصر لرؤية نسوية للتنمية.
وللقيام بذلك، سنجتمع معًا لتحليل المواقف وحالة العمل الحالية للجهات الفاعلة النسوية فيما يتعلق بالدين العام وآثاره على حقوق الإنسان، والاستفادة من التجارب السابقة في البحث والمناصرة لنستكشف معًا مسارات المضي قدمًا لإعادة تأكيد المشاركة النسوية في إدارة الديون في تونس التي تحتاج بشكل عاجل إلى مراعاة النوع الاجتماعي.
الأهداف
1) خلق زخم ودافع مشترك لتطوير فهم وتحليل مشترك حول آثار الديون السيادية المشروطة على النساء .
2)التساؤل عن سبب عدم ادراج إشكالية الديون ضمن المواضيع المحورية في الأجندات النسوية التونسية واستكشاف لماذا قد يكون من الضروري أن تكون العلاقة بين الديون والنوع الاجتماعي في طليعة الأجندات النسوية.
3) استكشاف الآثار المحتملة لاستراتيجيات إدارة الديون على ديناميكيات النوع الاجتماعي وكيف يمكن لمقاربة النوع الاجتماعي أن تقودنا الى حلول أكثر عدالة.