Block title
Block content

التصنيفات الائتمانية العالمية بين التقييمات المجحفة والحاجة الى بديل افريقي

Block title
Block content

أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في 28 فيفري المنقضي عن رفع التصنيف السيادي لتونس من Caa2 إلى Caa1 مع نظرة مستقبلية مستقرة1. رغم تحسن هذا الترقيم يعتبر ضمن نطاق التصنيفات المنخفضة، مما يعكس تحسناً طفيفاً في النظرة إلى المخاطر السيادية لتونس ومع ذلك، لم ترسم هذه الترقية صورة واضحة تشير إلى نهاية الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.  

يستند التصنيف الأخير الى التزام تونس بسداد الديون الخارجية، فمنذ أكتوبر 2023 قامت البلاد بسداد استحقاقات لسندات اليوروبوند تبلغ حوالي 2.4 مليار دولار أمريكي بالإضافة إلى ذلك، انخفضت حصة الدين الخارجي للقطاع الخاص بشكل كبير، من 25% من الدين العام الإجمالي في عام 2019 إلى 6% في ديسمبر 20242 

 يمثل التصنيف الذي تنشره وكالات التصنيف بصفة دورية مرجعًا للسوق المالية العالمية والمستثمرين عند اتخاذهم قرار تمويل دولة والاستثمار بيها أو عدمه3 .مع تنامي تأثير هذه التصنيفات، تعالت العديد من الأصوات المطالبة بمراجعة دور وكالات التصنيف والتأكد من مدى مصداقيتها4. 

يأتي هذا الاعلان في سياق رفض هذه التصنيفات الائتمانية الدولية من قبل السلطة السياسية في تونس التي تعتبر أن هذه الوكالات تمنح التصنيفات بناءً على مدى طاعة الدول للأوامر الخارجية، وأنه لا يجب أن تكون هذه التصنيفات معيارًا لتحديد قيمة الدول5.  

من ناحية أخرى، يأتي رفع تصنيف تونس في وقت تحاول فيه إفريقيا بشكل عام تعزيز مكانتها في النظام المالي العالمي، في وقت يطرح فيه الاتحاد الإفريقي مبادرة كبيرة من خلال إنشاء وكالة تصنيف إفريقية. حيث تم الإعلان عن هذه المبادرة في قمة الاتحاد الإفريقي الـ 38 التي عقدت من 12 الى 16 فيفري المنقضي ، مما يعكس الإرادة الإفريقية في تقليص الاعتماد على وكالات التصنيف الدولية التي غالبًا ما تُتهم بأنها لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاقتصادية والسياسية للقارة الإفريقية6. 

تواجه وكالات التصنيف الدولية عدة انتقادات بسبب قراراتها المتقلبة والتقييمات التي تفتقر إلى مراعاة الواقع الإفريقي. فقد نددت الآلية الإفريقية للتقييم الذاتي (APRM) بالتصنيف غير المنتظم لكينيا من قبل وكالة Moody’s، واصفةً مراجعاتها الأخيرة ب"المتسرعة" و"غير المسؤولة"7، خاصةً بعدما قامت بخفض تصنيف كينيا في جويلية 2024، ثم عادت لترفع تصنيفها بشكل مفاجئ في جانفي 2025 دون المرور بمرحلة "مستقرة"، وهو ما يعكس تناقضات في تقييماتها. كما أشار تقرير مشترك للجنة الاقتصادية لإفريقيا (CEA) والآلية الإفريقية للتقييم الذاتي إلى سلسلة من الأخطاء المنهجية في تقييمات وكالات التصنيف الدولية، حيث تعرضت خمس دول إفريقية (غانا، نيجيريا، كينيا، مصر والمغرب) لخفض تصنيفها دون مراعاة حقيقية لمؤشرات النمو الإيجابية8. 

وتعد اللامنهجية في جداول التصنيف وعدم وجود مكاتب لهذه الوكالات داخل القارة من بين أبرز المشاكل التي تم تسليط الضوء عليها، حيث إن وكالات مثل Moody’s وS&P تغطي القارة من مكاتبها في جنوب إفريقيا فقط، بينما لا تمتلك Fitch أي تمثيل مباشر في إفريقيا9. وهذا الغياب المؤسسي يؤدي إلى سوء فهم للبيئة الاقتصادية الفعلية للدول الإفريقية، كما حدث مع نيجيريا التي رفضت تصنيف Moody’s في جانفي  2023، معتبرةً أنه لا يعكس سياساتها الاقتصادية. 

في سياق هذه الديناميكيات، أصبح من الضروري إعادة النظر في دور وكالات التصنيف السيادي، خاصة في ظل التحولات التي يشهدها النظام المالي العالمي. إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يتطلب تمويلات، لكن وكالات التصنيف تعيق وصول البلدان النامية إليها من خلال تخفيض تصنيفاتها السيادية باستمرار، من هنا تبرز وكالة التصنيف الإفريقية كخطوة محورية في تعزيز السيادة المالية للقارة و إصلاح للهيكلة المالية، من خلال توفير تصنيفات ائتمانية تراعي الخصوصيات الإقليمية وتعكس الظروف الاجتماعية والاقتصادية الفريدة للقارة وتساهم في تسهيل دخول الدول الإفريقية إلى الأسواق المالية العالمية دون التقيد الكامل بمعايير وكالات التصنيف التقليدية.  

  المراجع

 
  1.  TAP, "Moody's Upgrades Tunisia's Rating to Caa1, Maintains Stable Outlook" (TAP, March 1, 2025).
  2. "وكالة 'موديز' ترفع تصنيف تونس وتؤكد تحسن القدرة على سداد الدين الخارجي" 
  3. بالعودة إلى أساسيات التصنيف السيادي، هو تقدير أو تصنيف تقوم به وكالات التصنيف السيادي مثل فيتش ريتينغ وموديز لتحديد مدى قدرة البلد على الحصول على قروض، حيث يتم دراسة الإمكانيات المالية للدولة ومدى ائتمانها على القرض وقدرتها المالية على تسديده.   كما انها تؤثر اساسا على المبالغ وآجال الاستحقاق وأسعار الفائدة التي تصدر بها الدولة سندات جديدة.
  4. بن سليمان، فتحية. "أي تأثير لوكالات الترقيم السيادي على البلدان النامية؟" (المرصد التونسي للاقتصاد ، 23 مارس 2022).  أي تأثير لوكالات الترقيم السيادي على البلدان النامية؟ | المرصد التونسي للاقتصاد
  5. السعيداني، المنجي، "الرئيس التونسي يرفض تقييم مؤسسات أوروبية لاقتصاد بلاده"، (الشرق الأوسط، 6 ديسمبر 2023).
  6. African Union, "African Leaders Convene on Establishment of Homegrown Solution, the Africa Credit Rating Agency" (African Union, February 7, 2025). Link (accessed April 4, 2025).
  7. Moses, Golden. 2025. « AU Body Challenges Moody& # 8217 ; S Positive Rating On Kenya, Calls It Premature » . ODRi Media News - Breaking News, East Africa News, Sports News, Kenya News, World News. 28 janvier 2025.
  8.  Des Experts Appellent les Régulateurs Africains À Superviser le Travail des Agences de Notation de Crédit | Nations Unies Commission Économique Pour L’Afrique
  9. Amegashie, Marvin. 2022. L’Agence Africaine de Notation de Crédit (ACRA), une Alternative Aux  Big Three » ? » Concerto. 30 mars 2022