أثار مشروع قانون المالية لسنة 2025 جدلا واسعا سيطر، منذ إيداعه بالبرلمان يوم 14 أكتوبر 2024، على النقاش العام. ففي سابقة أولى منذ سنوات، اتجه مشروع القانون نحو خيارات ضريبية أكثر تصاعدية ونحو الترفيع في نسب الضريبة على الشركات في مخالفة لسردية سادت طويلا نادت بتخفيف العبء الجبائي لتحفيز الاستثمار وبالحد من تصاعدية الضريبة لتيسير استخلاصها.
اقترح مشروع قانون المالية تعديل جدول الضريبة على الدخل لتخفيف العبء على الفئة الأضعف، وذلك من خلال خلق شريحة اضافية في أدني الجدول وتحديد نسبة 15% كأدنى نسبة مُطبقة، واضافة شريحة في أعلى الجدول تقسم الشريحة قبل الأخيرة الى شريحتين بنسب ضريبية مختلفة. في المقابل ارتفعت نسبة الضريبة للشرائح الأربعة الأعلى دخلا.
بالإضافة الى اقتراح نسب تصاعدية للضريبة على الشركات على أساس رقم المعاملات والتخلي على اعتماد النسبة العامة الحالية المقدرة ب 15%، في المقابل حافظ على استثناء بعض القطاعات بنسب خاصة حسب طبيعة النشاط، مع تحيينها عبر الزيادة بالنسبة للبنوك والمؤسسات المالية ومؤسسات التأمين لتصل الى 40%. كما تم اقتراح نسب ضريبة دنيا تكون أيضا تصاعدية حسب نسب الضريبة المستوجبة1.
انطلق مشروع قانون المالية من تشخيص مبني على قصور السياسات الجبائية المٌعتمدة في تحقيق العدالة ومحدودية تصاعديتها، ووجدنا هذا التشخيص حاضرا على مستوى الخطاب السياسي للسلطة طوال السنة الحالية من خلال الدعوة المستمرة والملحة للعدالة الجبائية تمهيدا لما جاء به مشروع القانون من إصلاحات جبائية مقترحة2.
لطالما دعى المرصد التونسي للاقتصاد، وبقية الناشطين والمنظمات المناصرة للعدالة الجبائية، إلى إصلاح جبائي يضمن المساهمة العادلة لكل الفاعلين الاقتصاديين في الموارد الجبائية، ويٌعزز الموارد الذاتية للدولة من أجل مزيد الاستثمار في الخدمات الاجتماعية والحد من الحاجة الى التداين.
وقد انبثقت هذه الدعوة من واقع سياسات جبائية متعاقبة عززت إختلال توزيع العبء الجبائي، فعلى الرغم من مستوى الضغط الجبائي الذي بلغ نسبة 25% سنة 2024 يشهد توزيع الموارد الجبائية عدم توازن مستمر. إذ تساهم الضريبة على الدخل والأداء على القيمة المضافة بأكثر من نصف الموارد الجبائية فيما لن تتجاوز مساهمة الضريبة على الشركات 13% من مجموع الموارد الجبائية سنة 2024. 3
هذا التوزيع هو نتاج تبني آلية أحادية لتحفيز الاستثمار تعتمد أساسا على الجباية دون الأخذ بعين الاعتبار بقية العوامل الأكثر نجاعة والأقل كلفة، فمن خلال العودة إلى تطور نسبة الضريبة على الشركات نلحظ تراجعها في مناسبتين خلال العشر سنوات الماضية لتنحدر من 30% سنة 2013 نحو نسبة عامة تٌقدر ب 15% تٌطبق حاليا، مع الأخذ بعين الاعتبار التحفيزات الجبائية المتزايدة التي جعلت النسبة الفعلية لهذه الضريبة في مستوى أدنى بكثير4.
ما سٌميت بالإصلاحات الجبائية شملت ايضا الضريبة على الدخل لتخلق لنا جدولا ضريبيا بتصاعدية منقوصة، فمنذ أن كان لنا جدول ضريبي يحتوي على 18 شريحة ضريبة تصل فيه نسبة الضريبة الى 68% قبل سنة 1986 غدونا بجدول ضريبي ذو 5 شرائح لا تتجاوز نسبة الضريبة فيه 40% في استثناء لمساهمة أكثر عدالة من الأفراد الأكثر دخلا5.
أمام هذا التشخيص والمقترحات الواردة بقانون المالية لسنة 2025، حاول المرصد التونسي للاقتصاد تقديم قراءته للإصلاحات المطروحة وتحديد مدى محاذاتها لبوصلته الثابتة وهي تحقيق نظام جبائي أكثر تصاعدية تكون الضريبة فيه ألية لإعادة توزيع الثروة وتقليص الفوارق دون أن تٌحتكر وحدها لتحقيق الأهداف الاقتصادية الظرفية. فحتى ان كانت مقترحات الإصلاح متناغمة مع منحى العدالة الجبائية، قد لا تبلغ غايتها لضعف حدتها وعدم قدرتها على جعل الأشخاص الأكثر ثراء والشركات الأكبر حجما يدفعون نصيبهم العادل من الضريبة.
في جانب اخر لم تحظ هذه الإصلاحات المقترحة بمناصرة قوية داخل النقاش السياسي والعام، إذ هيمنت موجة مضادة لهذا التغيير الذي أٌعتبر مٌفاجئا، رافعا للضغط الجبائي وعاملا ضد تحفيز الاستثمار. وربما لم تنجح جهة المبادرة في الإقناع بإيجابية الآثار الاجتماعية المحتملة وبقدرة هذه الإصلاحات على الانتصار لقيمة العدالة.
لضمان توازن الآراء والمقترحات قبل التصويت على مشروع قانون المالية، يدعوكم المرصد التونسي للاقتصاد بالشراكة مع مركز علي بن غذاهم للعدالة الجبائية، إلى ندوة يقدم فيها قراءته للإصلاح الجبائي المقترح ويفتح فيها مجالا أرحب للنقاش، وذلك يوم 25 نوفمبر على الساعة العاشرة صباحا فكونوا في الموعد.
الأهداف:
-
تقديم قراءة المرصد التونسي للاقتصاد للإصلاحات الجبائية بمشروع قانون المالية 2025
-
دمقرطة واثراء النقاش العام حول الإصلاح الجبائي
-
نتطلع الى حضوركم ومشاركتكم في هذه الفعالية.