حسب مقال صادر عن صحيفة Managers بتاريخ 17 جوان 2022, يواصل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية برنامجه الخاص بالتجارة الإلكترونية في تونس وذلك في إطار ندوة تم خلالها عرض الاستنتاجات والتوصيات الرئيسية لتقييم جاهزية التجارة الإلكترونية في تونس[1].
وتعتبر التجارة الإلكترونية من أبرز المحاور والتحديات التي طُرحت أمام مختلف الحكومات المتعاقبة في تونس منذ الثورة[2]، نظرا للتطور التكنولوجي الهام والمتسارع الذي لم تستطع البلاد مواكبة نسقه أو الاستفادة منه لعدة أسباب أهمها عدم توفير مناخ ملائم يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه المنظومة وضرورة ملائمة النصوص القانونية لها.
بدأت تونس خلال السنوات الأخيرة في البحث عن الحلول الكفيلة بتحسين مناخ التجارة الإلكترونية بهدف الانخراط، ولو بصفة متأخرة، في مسار الاقتصاد الرقمي وفتح آفاق جديدة لطاقاتها الشبابية المهدورة خصوصا في ظل ضيق آفاق سوق الشغل وارتفاع نسبة البطالة في البلاد.
وقد مثّل برنامج "تونس الرقمية 2020"[3] الذي تم الإعلان عنه رسميا سنة 2014، أولى الاستراتيجيات التي وضعتها حكومات ما بعد الثورة لتمهيد الطريق أمام التجارة الإلكترونية، وصولا إلى " تونس الرقمية 2025"[4] المعلن عنها سنة 2021 والتي تهدف إلى تحديث المنظومة القانونية التونسية في اتجاه التحول الرقمي عبر تنمية التجارة الإلكترونية.
في هذا السياق، أطلق مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)[5] منذ سنة 2021 برنامجا لتقييم مدى استعداد تونس لاعتماد للتجارة الإلكترونية (eT Ready)[6] وهو برنامج تم تنفيذه في سنة 2021 بالتعاون مع وزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية (MCDE) وبدعم من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ).
بعد مرور حوالي السنة على انطلاق هذا التقييم، أصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في شهر فيفري 2022 تقريره[7] الذي تطرق أساسا إلى تقييم خطوات تونس لاعتماد التجارة الإلكترونية. ودعا في تقريره إلى فتح أسواق جديدة وتسهيل التجارة عبر الحدود، تعزيز الاستثمارات المشتركة وبناء المهارات الرقمية خاصة بالنسبة للشّركات الناشئة والشّركات الصغيرة والمتوسطة ما من شأنه أن يخلق المزيد من الأعمال التنافسية والفرص الجديدة، تمتيع الأشخاص المقيمين في تونس بالحق في فتح حسابات بالعملات الأجنبية، إصدار قانون يتعلق بالتمويل الإنمائي الشامل بهدف تكييف الخدمات مع احتياجات الفئات غير المشمولة، وضمان ملائمة السياسات العامة من أجل التنفيذ الفعال لخطة عمل eT Ready"[8]".
وعلى الرغم من أهمية هذه التوصيات، إلا أن الرهانات المرتبطة بالتجارة الإلكترونية قد تتجاوز بكثير الصعوبات المطروحة وطنيا، حيث يعيش المجتمع الدولي اليوم صعوبات عدّة في علاقة بفرض الضرائب على شركات التكنولوجيا. وتسعى أغلب الدول إلى أخذ نصيبها من الأرباح الكبرى التي تحققها هذه الشركات المتأتية أساسا من عمليات التجارة الإلكترونية، خصوصا في ظل الصعوبات التي يواجهها العالم في علاقة بإخضاع هذه العمليات للضريبة وعدم وجود إطار قانوني واضح ينظمها.
وفي هذا الإطار، تطرح منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)[9] منذ سنة 2019 حلا ذو ركيزتين ضمن الإطار الشامل[10]، يهدف إلى تقنين المسائل المتعلقة بالشروط الضريبية لهذه الخدمات، وهو حلّ انخرطت فيه تونس رفقة 136 بلدا آخر.
تهدف الركيزة الأولى منه إلى تحديد مكان فرض الضرائب على شركات التكنولوجيا من بين البلدان التي تم استخدام أو استهلاك السلع أو الخدمات فيها، او البلدان التي تضم المقرات الاجتماعية لتلك الشركات.
ولئن كانت الغاية المعلن عنها من هذا الاتفاق مشروعة، بل وعلامة فارقة في الاتجاه الصحيح لفرض الضرائب على الدخل المتأتي من رقمنة الاقتصاد العالمي وضمان الحقوق الجبائية لدول البيع النهائي لهذه السلع والخدمات، وهي غالبا البلدان النامية، إلا أن بنودها تأتي في ظل مواصلة دول الغرب فرض شروطهم وخدمة مصالحهم وهو ما يبرز من خلال الشروط المجحفة التي تم اعتمادها.
فبحسب دراسة[11] نقلتها منظمة أوكسفام[12], لن تنطبق هذه الشروط سوى على 78 شركة متعددة الجنسيات تنشط في الدول النامية، كما لن يتجاوز نصيب جميع البلدان منخفضة الدخل مجتمعة 140 مليون دولار أمريكي فقط. في المقابل، سيكون على الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، بما في ذلك تونس، التخلي عن فرض الضرائب على الخدمات الرقمية، حتى على الشركات متعددة الجنسيات التي لا تقع ضمن نطاق الركيزة الأولى. وهو ما جعل دولًا كنيجيريا وكينيا من بين الدول القليلة التي رفضت التوقيع على هذه الاتفاقية لتعارضها مع قوانينها الجبائية الوطنية.
ففي حين أقرت تونس في الفصل 27 من قانون المالية لسنة 2020 ضريبة تقدر ب 3% على الخدمات الرقمية على مبيعات برامج الكمبيوتر والخدمات التي تجريها شركات غير مقيمة في تونس عبر الإنترنت، إلا أنها اختارت الانخراط في هذه الاتفاقية التي تحظر عليها تحصيل الضرائب المتأتية من هكذا عمليات وبالتالي تلغي العمل بهذا الفصل.
على ضوء كل هذه المعطيات، من المشروع التساؤل عن درجة وعي المسؤولين التونسيين بالرهانات المرتبطة بالتجارة الإلكترونية. ففي الواقع، إذا كانت تونس تعتزم تعزيز تنمية التجارة الإلكترونية على المستوى الوطني، إلا أنها تخاطر على المستوى الدولي، بالتنازل عن حقها في فرض الضرائب على الخدمات الرقمية.