أثار تخفيض الترقيم السيادي لتونس من قبل وكالة الترقيم السيادي فيتش رايتنغ “fitch ratings” أواخر الاسبوع الماضي الكثير من حبر الصحافة التونسية. وقع تداول الخبر في جل وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية حيث خلق تصنيف تونس كدولة ذات مخاطر مرتفعة مناخا من الاستياء والخوف من اقتراب تونس الى تصنيفها كبلد غير قادر على سداد ديونه بالرغم من أن هذا التخفيض كان منتظرا وليس بالمفاجأة.
في عودة على الابجديات التصنيف السيادي هو تقدير او تصنيف تجريه وكالات الترقيم السيادي على غرار فيتش راتنغ “fitch ratings” و مووديز "Moody's" لتقدير مدى أهلية البلد محل الترقيم للحصول على قروض حيث يتم دراسة امكانيات الدولة المالية ومدى ائتمانها على القرض وقدرتها المالية على تسديده.
يمثل الترقيم الذي تنشره وكالات الترقيم بصفة دورية مرجعا للسوق المالية العالمية والمستثمرين خلال اتخاذهم قرار تمويل دولة ما من عدمه الا أنه ومع تنامي تأثير هذه التصنيفات تعالت كثير الاصوات المطالبة بمراجعة دور وكالات التصنيف والتثبت في مدى مصدقتيها.
نظم مكتب الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لدى الامم المتحدة DESA يوم الاثنين 21 مارس 2021 اجتماعا رفيع المستوى ضمّ مجموعة من الخبراء وممثلين عن وكالات الترقيم السيادي ومؤسسات الاستثمار العالمية إضافة الى وزير المالية بحكومة غانا ووزير المالية بحكومة ترينيداد وتوباجو لمناقشة الدور الذي تلعبه وكالات الترقيم السيادي في تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030.
وقع التطرق في مستوى اول الى تأثير وكالات الترقيم على البلدان النامية على غرار تونس وفرص حصولها على التمويلات من السوق العالمية. في مداخلته أكدّ وزير المالية لحكومة غانا Ken Ofori-Atta أن البلدان الافريقية هي الأولى على صعيد تخفيض الترقيم حيث أن المنهجية التي تعتمدها وكالات الترقيم لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاقتصادية لبلدان القارة فعلى سبيل المثال ذكر الوزير لجوء حكومة غانا الى الترفيع في نفقات الدولة خلال ازمة الكوفيد 19 سعيا منها للحفاظ على ارواح المواطنين ليتم لاحقا تخفيض الترقيم السيادي لغانا بسبب هذه النفقات الإضافية.
وهو ما تطرّق له مكتب الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لدي الامم المتحدة في تقرير له حول وكالات الترقيم وعلاقتها بالديون السيادية حيث يشير التقرير الى ان 95 بالمائة من حالات تخفيض الترقيم التي تمت في فترة الجائحة الصحية العالمية تتعلق بالبلدان نامية هذا بالرغم من نسبية الانكماش الاقتصادي الذي عرفته البلدان النامية والذي يعتبر أكثر اعتدالا من الذي شهدته البلدان المتقدمة التي لم تشهد موجة تخفيض للترقيم السيادي كما حصل مع البلدان النامية.
هذه الحادثة ليست بمعزولة حيث وخلال الاجتماع تطرقت Ramya Vijay القائمة على قسم البحوث الاقتصادية بجامعة Stockton بالولايات المتحدة الامريكية الى أن وكالات الترقيم لا تأخذ بعين الاعتبار الدور الاجتماعي للدول بل أن الوكالات في تقاريرها تحث على الحد من نفقات الدولة واعتماد التقشف كما حدث مع تقرير تخفيض الترقيم السيادي للبرازيل حيث عللت وكالة الترقيم هذا التخفيض بارتفاع النفقات الاجتماعية للبرازيل.
لا تقتصر هذه الآراء على ممثلي بلدان العالم النامي والباحثين فقط، صرح Hiro Mizuno المبعوث الخاص للأمم المتحدة المكلف بالتمويل المستدام والمسؤول السابق على صندوق الاستثمار الحكومي الياباني أن محدودية المنهجية المتبعة من قبل وكالات التعاون الدولي تؤدي الى حرمان البلدان النامية من الحصول على التمويلات اللازمة لتحقيق اهداف التنمية المستدامة وانه خلال عمله على رأس صندوق الاستثمار الياباني كان من الممكن لليابان استثمار مبالغ أكبر مما تم استثماره إلا أن تخفيض الترقيم السيادي للبلدان النامية باستمرار عطّل هذه الاستثمارات.
بالرجوع الى تونس نلاحظ تجاوز تقارير الترقيم السيادي سواء الذي نشرته مووديز او فيتش رايتنغ حدود المنهجية الذي تدعي الوكالات احترامها فالتطرق الى الوضع السياسي والتوصيات بضرورة التسريع بإمضاء اتفاق مع صندوق النقد الدولي يعد تجاوزا صارخا ويوحي بعدم حيادية الوكالات.
مراجعة دور وكالات الترقيم السيادي خصوصا وهيكلة النظام المالي العالمي عموما أصبح حاجة ملّحة. تحقيق أهداف التنمية المستدامة والعمل من اجل ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يتطلب تمويلات، تمويلات تمنع البلدان النامية من الوصول اليها بسبب وكالات الترقيم والتخفيض المستمر لترقيمها السيادي الذي يعتمد منهجية غير مرنة لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الاقتصادية لهذه البلدان وتعاقب كل دولة ترفع في انفاقها العمومي بالتخفيض.